vendredi 3 mai 2013

سَبْق صحفي للثورة نيوز ضَابطٌ عسكريٌّ يتكلّم : أسْرارُ الفوْضَى


       قصّةٌ حقيقية لما عاشَه ضابط عسكريّ في أحداث 14 جانفي

ننقل لقرائنا خبرا حقيقيا على لسان ضابط عسكري هي شهادة تاريخية من وجهة نظر ضابط خانته المؤسسة وغدرت به القيادة … يروي بعض أسرار الأحداث الغامضة في الثورة … وعن دور أولئك الجنود والضباط في الذود عن حرمة الوطن … ودور قاعدة العوينة في حسم الصراع بين لحظة الاستبداد وبين لحظة الحرية .

ننقل لقرائنا خبرا حقيقيا على لسان ضابط عسكري هي شهادة تاريخية من وجهة نظر ضابط خانته المؤسسة وغدرت به القيادة … يروي بعض أسرار الأحداث الغامضة في الثورة … وعن دور أولئك الجنود والضباط في الذود عن حرمة الوطن … ودور قاعدة العوينة في حسم الصراع بين لحظة الاستبداد وبين لحظة الحرية .

الحق والحق أقول  :  كانت الثورة الشعبية قد بلغت العاصمة تونس وكنت أنا الضابط العسكري أعمل في فيلق الشرطة العسكرية بقاعدة العوينة … كنت أتابع الأوضاع, وكنّا نحن العسكريين جزءا من هذا الشعب المُفَقّر والمَطْحون ذاك الذي ضاق ذرعا من الاستبداد, ومن احتكار أقيلة للثروات العامة ومن غياب العدالة الاجتماعية…       في 11 تاريخ من شهر جانفي لسنة 2011, وردت برقية موجهة من رئيس أركان جيش البر, تأمر الوحدات العسكرية بالانتشار في المواقع الحساسة في البلاد … شرعت التشكيلات العسكرية في التوجه إلى مواقعها … وفجأة وردت برقية أخرى تلغي القرار الأول وتأمر الجند بالبقاء في ثكناتهم في حالة استنفار قصوى إلى حين .. لقد حدث أمر مَّا ألغى القرار الأول… وكانت المظاهرات قد احتدمت في الأحياء الشعبية بالعاصمة, في حي التضامن والكرم …

كنت حينها أحد العناصر العسكرية المكلفة بحماية أمن القاعدة, في تلك الأوقات العصيبة… كانت المعدّات منقوصة وتعداد الأفراد لا يكاد يغطي الحاجة الطارئة.. فالأزمة قد بلغت حدّا ينذر بالفوضى والخراب … لم أزر عائلتي منذ أيام بل إنني لم أغير لباسي منذ زمن … ولمواجهة ذلك النقص اقترحت على العقيد “ج” أن يقع استغلال الوحدات العسكرية العائدة لتوّها من “الكونغو” والتي تم تجميعها في قاعدة العوينة منذ شهر نوفمبر, بعد أن توقف العقد الذي يربط بين تونس والأمم المتحدة بخصوص مهمة حفظ السلام وكنت أنا قد شاركت فيها . عدنا من بلاد الكونغو بجميع معداتنا واستقر بنا المقام بثكنة العوينة في انتظار الأوامر بإعادة الإلحاق بمراكز عملنا الأصلية وجاءت الثورة.. مُرّر الاقتراح بسرعة إلى القيادة العليا… كان قرارا حاسما . فكل السيارات والشاحنات والمدرعات ذات الطلاء الأممي الأبيض للقبعات الزرقاء, أدخلت للتوّ إلى ورشات الطلاء وبُدّل لونها في ليلة واحدة من الأبيض إلى الأخضر..كان عملا جبارا ومضنيا. وكان الجميع متحمسا ومستعدا للذود عن حرمة الوطن.

لقد كان في تقديرات الأمن الرئاسي وقتها أن حجم القوة العسكرية المسموح بها بالعوينة محدود غير أن قدوم الفيلق التونسي من الكونغو قلب تلك الموازين ..

توقفت الرخص الممنوحة لكل الجنود والضباط. وفي تاريخ 13 جانفي وردت إلى الفيالق العسكرية برقية خطيرة من رئيس أركان جيش البر يعلن فيها حالة النفير أي الدرجة الثالثة من حالة الطوارئ . كان ذلك الخطاب مقتضبا وخلا تماما من أية جملة تدعو إلى إسناد نظام “بن علي” . تأكدتُ حينها أن الجيش رفض مساندة الرئيس وأنه انضم صراحة إلى صفوف الثورة ويستعد لأمر مّا.. كانت البرقية دعوة إلى التضحية بالنفس من أجل الذود عن حرمة الوطن .

تحمس كل العسكريين كنا جزءا من هذا الشعب المقهور . ولم يكن للجيش أن يتدخل في الشأن السياسي . بيد أننا كنا نرى وطنا يتهاوى … كانت الحركة داخل القاعدة العسكرية حثيثة وتنبئ بوقوع أمر جلل . فقد وصلت طائرة الهركول 130 يوم الخميس وهي تحمل فيلق القوات الخاصة للجيش قادمين من مدينة “قفصة”, وكان جميع من بالقاعدة في زيهم القتالي الأخضر حتى أعوان الأمن العسكري ارتدوا بدلات القتال على غير عادتهم.

في 14  من شهر جانفي أعلن النفير وانتشرت الوحدات القتالية في الأماكن الحساسة من العاصمة . وداخل القاعدة وردت تعليمات بإعادة توزيع المدرعات والدبابات داخل الثكنة . وضعت إحدى الدبابات قبالة الباب الرئيسي للقاعدة وكان محركها يشتغل  والسائق مستعدا للتحرك,  ووضع الرامي من فوقها في وضعية قتالية . حمل تمركز الدبابة في ذلك المكان دلالة خطيرة لأنه احتياط عسكري غير مألوف . كأنها تستعد للتصدي لهجوم عنيف محتمل من قبل قوة ذات ذخيرة عالية .

كان ذلك اليوم عسيرا مضنيا وكان الجميع في حالة تشنج وخوف من الآتي . في الظهيرة تتابعت الأحداث. … على الساعة 11 صباحا قدم إلى الثكنة طاقم الطائرة الرئاسية  وشرعوا في تجهيز الطائرة … مما يعني أن القرار بالسفر قد اتخذ في الدوائر الرسمية مبكرا .

فجأة قدم الركب الرئاسي. كانت الإجراءات السابقة صارمة ومذلة للعسكريين لقد كانوا يغلقون مخازن السلاح, ويفتش كل مكان في الثكنة, من قبل أعوان الرئاسة حتى الماسورات وأنابيب الصرف الصحي كانت تفتح وتخضع للتفتيش … لم يكن الرئيس “بن علي” يثق فينا نحن العسكريين … وجاءت التعليمات بفتح الأبواب المغلقة… فتح الباب …. لحظة من الصمت والتحفّز … ثوان من السكوت لقد فوجئ أعوان الرئاسة بالدبابة تنتصب وفوهتها إلى الباب … محركها يشتغل والرامي من فوقها يمسك بالرشاش عيار 50 . كانت رسالة صريحة على انقلاب المواقع, وتحذيرا ضمنيا بإمكانية استعمال القوة المسلحة.

استدارت السيارات في سرعة واتجهت إلى المطار العسكري .. كنتَ تلمح الخوف والريبة في أعينهم, والاضطراب يسبق كل حركة يأتيها حرس الرئاسة… ودخلتْ إثرهم سيارات لعائلة الطرابلسي كانت شاحنات متوسطة تكاد تلامس الأرض بمؤخرتها لثقل الأحمال… كانت تحمل أغراضهم وأخال أنها منقولات ذات قيمة عالية إن صح تقديري.

ثم كان ما كان, وبلغ إلينا أن الرئيس قد رحل, وأن مدير الأمن الرئاسي قد تم إيقافه للتوّ … جالت في خاطري  أفكار شتّى .. من كان يجرؤ على هذا الرجل, لقد كان الجميع يتقربون إليه ويتوددون إلى ذلك العسكري القوي والثابت… الآن انتهى “بن علي” … لقد حطمه الاستبداد وحطمته أسرته خاصة زوجته.

في الليل اتصل بي آمر القطاع الثاني بالعوينة “العقيد جلال” وطلب مني أن أتحول على رأس تشكيلة عسكرية إلى جهة “سكرة” لقد بدأ النهب والسلب والناس يستغيثون … تحولتُ بسرعة إلى ذلك الطريق التجاري الذي يربط سكرة بأريانة كانت المتاجر تنهب … سرنا على الأقدام … أطلقتُ طلقات تحذيرية في الفضاء, هرب اللصوص, لم نصب أحدا وكنت مقتنعا بأنها أزمة سوف تمرّ  .. قبض جنودي على عدد كبير من السرّاق … وكان دخان الحرائق في كل مكان, وقضينا الليل طوله ونحن نُمشّط الأحياء … كان الناس يهلّلون بنا في أحيائهم …نُستقبل عندهم كالأبطال, ورغم الجهد والضّنى وسهر الليل, فقد كنت سعيدا وكان الجند معي في نشوة وهم يمتلؤون بشعور وطني حاد, إنهم يذودون وطنا جريحا… وجهتني قاعة العمليات الى احد الاحياء هنالك سيارة بها مسلحون… انطلقت الى المكان المحدد اشار الي شبان الحي … نزلتُ والجنودَ واتجهت اليهم … صوبنا البنادق… امرتهم ان يلتزموا بالتعليمات … طلبت من ركاب السيارة ان يترجلوا خاطبني احدهم :” نحن من الشرطة في زيّ مدني.” وكان معهم ضابط برتبة مقدم, تبادلنا التحية لقد وقعوا في شرك وحاصرهم شبان فقدوا ثقتهم في جهاز الأمن. انتهت المهمة, رافقتهم بسيارتي العسكرية, أمَّنتُ خروجهم, واجتزت بهم تلك الأحياء الخطرة, إنهم أبناء هذا الوطن, وهم يدفعون ضريبة نظام استبدادي.

عدت في الفجر إلى ثكنة العوينة, قابلت آمر القطاع وأخبرني أننا تدخلنا في مكان لا يتبع قطاعنا العسكري بقي أن طلبات النجدة والاستغاثة من المواطنين دفعتنا إلى التحرك… وكان أغلب العسكريين ينتشرون في الميدان في أحياء تونس العاصمة. كان الوضع الأمني خطيرا .. تفقدتُ موقعي .. نهضتُ بمعنويات الجند .. الذخيرة والعتاد والمؤونة.. أمرٌ آخر يرد إليّ … المغازة الكبرى “كارفور” تتهددها جماعات النهب … خرجتُ سريعا بسيارة “دفندر” العسكرية ومعي تشكيلة من الجند… وصلت إلى هناك لدعم العنصر العسكري … توزعنا حول المغازة الكبرى .. قُبض على بعض اللصوص, ولاذ البقية بالفرار وفشلتْ عملية السرقة. وحين استقر الوضع عدت إلى الثكنة.

هناك, جُمّعت عائلة “الطرابلسي” في دار داخل الثكنة, وأحيطوا بحراسة شديدة من فيلق الشرطة العسكرية الذي كنت فيه. كان الحدث مباغتا . ولم يكن المكان مهيئا لاستقبال عائلات بأكملها رضّعا وأطفالا ونساء وشيوخا .. حُجزت عائلة “بن علي”  وعائلة الطرابلسي داخل الدار … لقد اعتادوا حياة البذخ والرخاء . وها هم الآن في المعتقل .. لا يوجد وقتها مكان آمن .. فبعض السجون قد انهارت وفر سجناء ومحكومون قضائيا. لذلك احتفظ بهم خوفا من الانتقام الجماعي منهم.

في داخلتي, أشفقتُ على أولئك الأطفال من عائلة الرئيس, لا ذنب لهم وهم يدفعون ضريبة الكبار . هناك منهم امرأة حامل مرهقة عاملها بعناية واحترام. لم أكن أعرفهم من قبل, سوى أنني أسمع عن سطوتهم وفعالهم في الناس وأخبارهم في النهب والسلب.

في الساعة الثانية بعد الظهر وقع حدث خطير. ساقتني الأقدار إلى واقعة غريبة. كنت بصدد تناول فطور الغداء بمطعم الثكنة .. وكانت القيادة قد اتخذت قرارا بدعم الحراسة الأمنية للقاعدة وبمنع خروج المكلفين بتأمين الحماية الداخلية للثكنة في أيّ ظرف كان. لقد كان هنالك خوف حقيقي من أن يتحرك مرتزقة الطرابلسية وأحلاف النظام المنهار وأن يحاولوا تهريب المحتجزين . ولم يكن “علي السرياطي” هناك لقد حملوه وقتها إلى ثكنة باب سعدون.

كنت على طاولة الأكل في المطعم وقدم إلي الرائد “م” . أبلغني أن أمرا خطيرا قد كُلّفتُ به يتعلق بأمن الوطن, وقال:” لقد اختارتك القيادة الآن, للقيام بمهمة معقدة وعاجلة ستأتي معي إلى مقر القيادة “… كان كل الجنود وضباط الصف الذين يعملون تحت إمرتي موزعين في مواقع ومهام شتى في الثكنة, ولا يمكن تجميعهم لأن المسألة تتعلق بأمن القاعدة.

تحولت معه إلى مقر القيادة, وجدت هناك العقيد جلال وثلة من الضباط فخاطبني :” نحتاج إلى ضابط رصين مثلك. لقد رصدنا الآن مجموعة مسلحة وخطيرة لا نعلم حجم تسلحها ولا عدد أفرادها … بلغنا أنهم بين أربعة أنفار أو ستة, تهاجم المواطنين  والعسكريين ستترأس أنت هذه التشكيلة العسكرية وتتوجه إليها من أجل تدميرها … إيت بهم موتى أو أحياء …هذه تعليمات من القيادة رأسا   هي تعليمات الفريق رشيد عمار .. واضح..”

إنها حالة النفير وحالة الطوارئ … إنها حالة الحرب … قلت له :” ليس لي جنود الآن من سيرافقني “

أجاب العقيد جلال :” سترافقك تشكيلة من عناصر القوات الخاصة .. يجب ان تتصدى الان لهذه السيارة قبل ان تفلت.” حينها أدركت تماما أن استخدام هذه القوات لا يكون إلا في الحالات الخطيرة جدا من أجل القيام بعمليات خاصة .

خرجنا من مقر القيادة , سرنا قليلا داخل الثكنة ثم, خاطبني العقيد :” ستذهب إلى المهمة بواسطة الاتوميلار”… كانت الاتوميلار ناقلة جند مصفحة وسريعة ذات عجلات ضخمة , هو عتاد قديم إلا انه فعّال, ومن أجل عيون الوطن يصبح عتادا جديدا.

كانت هذه المجنزرة مخصصة لحماية أمن القاعدة وقد استقدمت مع إعلان حالة الطوارئ من فوج المدرعات بمدنين, لم أكن أعرف أحدا من أفراد التشكيلة … ولم يكونوا على معرفة مسبقة بشخصي …كان الجميع متحمسا … كنا فرحين لسقوط بن علي … نحن أفراد من هذا الشعب … والآن سنحت فرصتنا كي نكون حماة عرينه … هذا الجيش الصامت دهرا يحتاجه الوطن الساعة, ونحن أبناء هذا الوطن الجديد.

خاطبت الآمر :” أين الصدريات الواقية من الرصاص.”

أجاب :” لقد وُزعت على العناصر الميدانية .. هي غير متوفرة .. والوقت قصير والسيارة محاصرة.”

أردفتُ إليه :” سأنطلق الساعة لكن تثبتْ أمرك … توجد الآن كميات من الصدريات الواقية في المخازن هناك, غير أن الوقت لا يكفي.”

كانت لي صدرية واقية, وما كان لي أن أرتديها والجنود الذين وضعوا تحت إمرتي صدورهم عارية . تركت الصدرية وأنا أعلم خطورة العملية… يمكن أن تثقبك رصاصة في أية لحظة… وكنت في رفقة عدد من كبار ضباط القاعدة.. الجميع حولي..

فأضاف العقيد جلال :”  التعليمات واضحة, أنت لا تعرف السيارة الهدف … حين تصل عند نقطة الملازم سالم سيدلك على السيارة .. هي من نوع سمبول مكتراة, وهي مطوقة الآن… وقد رفضت التوقف أو الاستسلام .. احذر إنهم مسلحون… لقد أطلق ركابها الرصاص, وأصابوا امرأة … هنالك سيارات أخرى ومسلحون في جهة الكرم … ما يعنيك في المهمة هي السيارة فقط .”

تقدمت إلى التشكيلة وهي تتجهز وخاطبت رامي الرشاش في الأعلى :” استعدّْ …الذخيرة في المخازن ..”

وانطلقت جبّارًا إلى الوطن … واللهُ على ما أقول شهيد …


http://athawranews.net/%D8%B3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%82-%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%86%D9%8A%D9%88%D8%B2-%D8%B6%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8C-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%8C%D9%91/

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire