mardi 3 mars 2015

التلميذ.. الرهينة.


بين اضرابات الاساتذة المتنوعة المتواصلة وتجاهل سلطة الاشراف ولامبالاة الحكومة، وجد التلميذ نفسه اليوم في خضمّ مشكلة معقّدة لم يخترها، لا ناقة له فيها ولا جمل. 
التلميذ بعد سلسلة من الاضرابات والتصعيد من الاساتذة الذين وجدوا وزارة صمّاء بوزرائها المتعاقبين يجد نفسه اليوم مهددا في قيمة نجاحه وشهادته وهو المحروم اليوم من الامتحانات في "الاسبوع المغلق" التي تمكنه من تقييم كفاءته وتمكن الولي من الاطلاع على قدراته ولمتابعة استعداداته وتصويب ما يجب تصويبه، ومحاسبته. 

الامتحانات هي محطة اساسية بل مركزية في المنظومة التربوية ولا قيمة لتعليم ولا لشهائد دون تقييم متواصل وفق دورية معينة للمحصول العلمي التربوي، الامتحانات صارت آلية متجذرة في عقل وسلوك ونفسية التلميذ الذي استبطنها في لاوعيه وصار لا يتمثل ولا يتقبل التعليم الا عبرها التي يعتبرها حلقة جوهرية في تحصيله العلمي، ومساره الدراسي الطويل. 

اضراب الاساتذة هو في المبدأ حق شرعي دستوري لا غبار عليه، خاصة وان المطالب مشروعة في منطلقها، لكن المشكل هو ما اعتراه في الاسلوب وفي طريقة التواصل، في البداية انطلق بالامتناع عن التدريس لمدة يومين بما فيه من حرمان للتلميذ من التعلم والدراسة، واليوم تحوّل الى ما هو اخطر وهو حرمان التلميذ من الامتحانات والتقييم الدوري. 

وهذا هو الاخطر لان بدون تقييم سيذهب تعليم فترة كاملة هباء وتذهب الفائدة من تدريس ثلاثية كاملة هباء بما فيها من تعب وجهد التلميذ وارهاق الولي ومصاريف الدروس العادية والخصوصية ويصبح الامر عبارة عن اضراب فعلي يشمل فترة كاملة وليس مجرد اضراب اداري عن الامتحانات المتعلقة بـ"الاسبوع المغلق". 
الاستاذ صحيح لم يتمتع بالزيادة في الاجور منذ 2012 في ظل تدهور حاد للمقدرة الشرائية مع تضخم متصاعد مسجل على مدى اربع سنوات، وفي ظل تهميش تاريخي لمركز الاستاذ على حد سواء في المنظومة التربوية والاجتماعية، ولكن ما شاب اضرابات الاساتذة من شوائب والتوقيت الحساس جعلها حقا مثيرة للامتعاض لكثير من الفئات والتلاميذ مشتركين. 

- اولا تأتي هذه الاضرابات بطريقة مسترسلة وفي اشكال مختلفة. 
- ثانيا تاتي في ظل تكرر الاضرابات القطاعية في قطاعات حساسة مثل النقل والبريد والاضرابات العام في ولاية مدنين وتطاوين. 
- ثالثا تاتي في ظل الوضع الكارثي والاحتقان في ولايات الشمال الغربي. 
- رابعا تاتي في ظل شيطنة الاضرابات من عديد من وسائل الاعلام المرتبطة بالسطلة التي لم يكن لها نفس الموقف في حكومات الترويكا ورجعت لـ"بيت الطاعة" على حد قول الامين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري وكذلك بعض وسائل الاعلام المناهضة لسياسة الاتحاد بشكل عام. 
- خامسا وهو الاخطر السياسة الاتصالية الضعيفة جدا والمظطربة من نقابة التعليم المعنية من حيث الخطاب المتشنج لكاتبها العام ومن حيث افتقاد توضيح المطالب والاقناع بشرعيتها وكذلك من حيث التردد في تبويب المطالب بين المادية والمعنوية في مرحلة اولى ثم اضافة اصلاح المنظومة التربوية في مرحلة ثانية ما جعل الكثير لا يقتنعون بمشروعية الطلبات. 
اليوم تسجل مؤسساتنا التربوية اظطرابا كبيرا وصل الى حد رد الفعل العنيف من بعض التلاميذ والاولياء على الاضراب الاداري للاساتذة، الكثير من التلاميذ على وقع دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي فايسبوك قاطعوا الحضور في حصص في الاصل معدة للامتحانات وسجلت حتى اعتداءات مختلفة باللفظ والحجارة والكتابة على الجدران على الاساتذة والنقابة تتهم الوزارة بارسال ميليشيات، والتراشق بالتهم يتصاعد الى حد ما قد يحدث لا قدر الله شرخا اجتماعيا حادا بين الاولياء والمربين. 
الوزارة انتهجت سياسة سلبية للغاية بتأليب الراي العام على مطالب الاساتذة الى حد القول على الفضائيات ان "الوزارة ليست بيت مال المسلمين لتوفير قرابة 200 مليار للاساتذة" واتباع سياسة الهروب الى الامام والدفع بالاساتذة لمواجهة الاحتقان الذي سينتجه الوضع القائم المتأزم. 

وفي النهاية التلميذ هو الذي وجد نفسه رهينة بين التطاحن والتنازع الحاد القائم بين النقابة والوزارة، وايضا مستقبل الاجيال ومستقبل تونس في ظل منظومة تربوية منخرمة وشهائد فاقدة للاعتراف الدولي وفاقدة للفاعلية في مجال ارتباطها بالشغل وفي ظل انتشار المخدرات في الوسط التربوي بشكل واسع وفي ظل انتشار لجرائم غريبة بين تلامذتنا. 

المنظومة التربوية فعلا اليوم في حاجة الى اعادة هيكلة عميقة وليس مجرد اصلاح، فالتعليم اصبح اليوم عبءا ثقيلا على المجتمع، ولم يعد يقوم بدره الوطني، تعليم عقيم في جزء كبير منه لا ينتج الكفاءات في اكثره ويثقل كاهل الاسر بدروس التدارك المتواصلة، والاخطر انه لا يراعي حقوق الطفل والشاب الدستورية في التكوين وتهذيب الذوق والتربية الاخلاقية والاجتماعية، تعليم غرق في النهاية في الصراعات التي انعكست على النسيج المجتمعي. 
.
بقلم: شكري بن عيسى
قانوني وناشط حقوقي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire